باب: متى يستوجب الرجل القضاء

-3-16 – باب: متى يستوجب الرجل القضاء.

وقال الحسن: أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى، ولا يخشوا الناس، ولا يشتروا بآياته ثمناً قليلاً، ثم قرأ: {يا داود إنَّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحقِّ ولا تتَّبع الهوى فيُضلَّك عن سبيل الله إن الذين يضلُّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} /ص: 26/. وقرأ: {إنَّا أنزلنا التوارة فيها هدى ونور يحكم بها النبيُّون الذين أسلموا للذين هادوا والرَّبَّانيُّون والأحبار بما استُحفظوا – استُودعوا – من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومنلم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} /المائدة: 44/. وقرأ: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنَّا لحكمهم شاهدين. ففهَّمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً} /الأنبياء: 78 – 79/. فحمد سليمان ولم يلم داود، ولولا ما ذكر الله من أمر هذين لرأيت أن القضاة هلكوا، فإنه أثنى على هذا بعلمه وعذر هذا باجتهاده.

وقال مزاحم بن زفر: قال لنا عمر بن عبد العزيز: خمس إذا أخطأ القاضي منهنَّ خطَّة، كانت فيه وصمة: أن يكون فهماً، حليماً، عفيفاً، صليباً، عالماً سؤولاً عن العلم.


[ش (يستوجب) يصير أهلاً للقضاء ويستحق أن يكون قاضياً، أو: يجب عليه القضاء. (الحسن) البصري رحمه الله تعالى. (أخذ الله..) ألزمهم.

(الهوى) ما تحبه النفس وتشتهيه وإن خالف الحق والعدل. (لا يخشوا الناس) لا يخافوهم عند الحكم بالحق وإنما يخافون الله عز وجل.

(لا يشتروا بآياته..) لا يستبدلوا بالعمل والحكم بمقتضاها عرضاً من أعراض الدنيا، لأنه قليل لا شأن له عند الله تعالى مهما عظم وكثر.

(جعلناك خليفة) صيرناك خلفاً عمن قبلك على الملك من الأرض والحكم فيها.(بالحق) بالعدل. (سبيل الله) شريعته وما بينه فيها وشرعه من الأحكام. (بما نسوا) بسبب نسيانهم. (هدى) بيان. (نور) إيضاح كاشف للشبهات ومزيل لظلمات الجهل والضلال. (أسلموا) انقادوا لحكم الله تعالى وأسلموا أنفسهم له. (هادوا) تابوا ورجعوا من الكفر والعصيان إلى الطاعة والإيمان. (الربانيون) جمع رباني وهو العالم بالرب تعالى المواظب على طاعته المعلم للناس طريق الخير. (الأحبار) العلماء والفقهاء جمع حبر. (الحرث) الزرع. (نفشت) رعت ليلاً بلا راع.

(ففهمناها..) ألهمناه الحكم الصواب في تلك القضية. (آتينا) أعطينا.

(فحمد) أي أثنى عليه. (ولولا..) أي لولا ما بينه الله تعالى في قضية داود وسليمان عليهما السلام من الثناء عليهما في الحكم، من أصاب الحقيقة ومن أخطأها عن غير عمد، لكان في ظني أن قضاة الزمان محكوم عليهم بالهلاك، لأن أحدهم ربما لم يكن قضاؤه هو الصواب وعين الحق، فينطبق عليه أنه لم يحكم بما أنزل الله تعالى، سواء كان عامداً أم غير عامد، ولكن قصتهما أظهرت أنه لا إثم على من أخطأ الصواب عن غير قصد وبعد اجتهاد منه. (أخطأ) تجاوزها وفاتته. (خطة) صفة. (وصمة) عيب وعار. (فهماً) صيغة مبالغة من الفهم. (عفيفاً) يتنزه عن القبائحويكف عن الحرام. (صليباً) من الصلابة، أي قوياً شديداً، يقف عند الحق ولا يميل مع الهوى، ويستخلص الحق ممن هو عليه ولا يتهاون فيه.

(سؤولاً..) كثير السؤال عنه والمذاكرة له مع العلماء].