باب: ما يكره من التعمُّق والتَّنازع في العلم، والغلوِّ في الدين والبدع

-3-5 – باب: ما يكره من التعمُّق والتَّنازع في العلم، والغلوِّ في الدين والبدع.

لقوله تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق} /النساء: 171/.

6869 – حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا هشام: أخبرنا معمر، عن الزُهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:

قال النبي ﷺ : (لا تواصلوا). قالوا: إنك تواصل، قال: (إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني). فلم ينتهوا عن الوصال، قال: فواصل بهم النبي ﷺ يومين، أو ليلتين، ثم رأوا الهلال، فقال النبي ﷺ : (لو تأخر الهلال لزدتكم). كالمنكِّي لهم.

6870 – حدثنا عمر بن حفص بن غياث: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثني إبراهيم التيمي: حدثني أبي قال:

خطبنا علي رضي الله عنه على منبر من آجرٍّ، وعليه سيف فيه صحيفة معلَّقة، فقال: والله ما عندنا من كتاب يُقرأ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فنشرها فإذا فيها أسنان الإبل، وإذا فيها: (المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً). وإذا فيه: (ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً). وإذا فيها: (من والى قوماً بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).

6871 – حدثنا عمر بن حفص: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا مسلم، عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها:

صنع النبي ﷺ شيئاً ترخَّص فيه، وتنزَّه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي ﷺ ، فحمد الله ثم قال: (ما بال أقوام يتنزَّهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية).

6872 – حدثنا محمد بن مقاتل: أخبرنا وكيع، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة قال:

كاد الخيِّران أن يهلكا: أبو بكر وعمر، لما قدم على النبي ﷺ وفد بني تميم، أشار أحدهما بالأقرع بن حابس الحنظلي أخي بني مجاشع، وأشار الآخر بغيره، فقال أبو بكر لعمر: إنما أردتَ خلافي، فقال عمر: ما أردتُ خلافك، فارتفعت أصواتهما عند النبي ﷺ فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي – إلى قوله – عظيم}.

قال ابن أبي مليكة: قال ابن الزبير: فكان عمر بعد – ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر – إذا حدَّث النبي ﷺ بحديث، حدثه كأخي السِّرار، لم يسمعه حتى يستفهمه.

6873 – حدثنا إسماعيل: حدثني مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين:

أن رسول الله ﷺ قال في مرضه: (مروا أبا بكر يصلي بالناس). قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يُسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل. فقال: (مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس). فقالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يُسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل بالناس. ففعلت حفصة، فقال رسول الله ﷺ : (إنكنَّ لأنتنَّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِّ للناس). فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيراً.

6874 – حدثنا آدم: حدثنا ابن أبي ذئب: حدثنا الزُهري، عن سهل بن سعد الساعدي قال:

جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي، فقال: أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فيقتله، أتقتلونه به، سل لي يا عاصم رسول الله ﷺ ، فسأله فكره النبي ﷺ المسائل وعابها، فرجع عاصم فأخبره: أن النبي ﷺ كره المسائل، فقالعويمر: والله لآتين النبي ﷺ ، فجاء وقد أنزل الله تعالى القرآن خلف عاصم، فقال له: (قد أنزل الله فيكم قرآناً). فدعا بهما فتقدما فتلاعنا، ثم قال عويمر: كذبتُ عليها يا رسول الله إن أمسكتها، ففارقها ولم يأمره النبي ﷺ بفراقها، فجرت السنة في المتلاعنَين. وقال النبي ﷺ : (انظروها، فإن جاءت به أحمر قصيراً مثل وحرة، فلا أراه إلا قد كذب، وإن جاءت به أسحم أعين ذا أليتين، فلا أحسب إلا قد صدق عليها). فجاءت به على الأمر المكروه.

6875 – حدثنا عبد الله بن يوسف: حدثنا الليث: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني مالك بن أوس النصري، وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكراً لي من ذلك، فدخلت على مالك فسألته، فقال:

انطلقت حتى أدخل على عمر أتاه حاجبه يرفأ، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: نعم، فدخلوا فسلموا وجلسوا، فقال: هل لك في عليٍّ وعباس؟ فأذن لهما، قال العباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين الظالم، استبَّا، فقال الرهط، عثمان وأصحابه:يا أمير المؤمنين، اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، فقال: اتَّئدوا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله ﷺ قال: (لا نورَث ما تركنا صدقة). يريد رسول الله ﷺ نفسه؟ قال الرهط: قد قال ذلك، فأقبل عمر على عليٍّ وعباس فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله ﷺ قال ذلك؟ قالا: نعم، قال: عمر: فإني محدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان خصَّ رسوله ﷺ في هذا المال بشيء لم يعطه أحداً غيره، فإن الله يقول: {ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم}. الآية، فكانت هذه خالصة لرسول الله ﷺ ، ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، وقد أعطاكموها وبثَّها فيكم حتى بقي منها هذا المال، وكان النبي ﷺ ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل النبي ﷺ بذلك حياته، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ فقالوا: نعم، ثم قال لعليٍّ وعباس: أنشدكما الله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم، ثم توفى الله نبيه ﷺ فقال أبو بكر: أنا وليُّ رسول الله ﷺ ، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله ﷺ ، وأنتما حينئذ – وأقبل على عليًّ وعباس – تزعمان أن أبا بكر فيها كذا، والله يعلم: أنه فيها صادق بارٌّ راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر فقلت: أنا وليُّ رسول الله ﷺ وأبي بكر،فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله ﷺ وأبو بكر، ثم جئتماني وكَلِمَتُكُمَا على كلمة واحدة وأمْرُكُمَا جميع، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أنَّ عليكما عهد الله وميثاقه، تعملان فيها بما عمل به رسول الله ﷺ وبما عمل فيها أبو بكر، وبما عملتُ فيها منذ وليتها، وإلا فلا تكلِّماني فيها، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما بذلك، أنشدكم بالله، هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، فأقبل على عليٍّ وعباس، فقال: أنشدكما بالله، هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم، قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك، فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليَّ فأنا أكفيكماها.


[ش (لا تغلوا..) لا تجاوزوا حدوده ولا تشددوا فيه].

[ش (كالمنكي) من النكاية وهي القهر، وفي رواية: (كالمنكل) من النكال وهو العقوبة الرادعة].

[ش أخرجه مسلم في الحج، باب: فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة. وفي العتق، باب: تحريم تولي العتيق غير مواليه، رقم: 1370].

[ش (كأخي السرار) كصاحب المشاورة في خفض الصوت. (يستفهمه) من الاستفهام، وهو طلب الفهم].