-3- 32 – باب: قول النبي ﷺ : (يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه). إذا كان النوح من سنته.
-لقول الله تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم نارا} /التحريم: 6/. وقال النبي ﷺ : (كلكم راع ومسؤول عن رعيته). [ر:853].
فإذا لم يكن من سنته، فهو كما قالت عائشة رضي الله عنها: {لا تزر وازرة وزر أخرى} /الأنعام: 164/. وهو كقوله: {وإن تدع مثقلة – ذنوبا – إلى حملها لا يحمل منه شيء} /فاطر: 18/.
-3- وما يرخص من البكاء في غير نوح.
-وقال النبي ﷺ : (لا تقتل نفس ظلما، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها).
[ر: 3157].
وذلك لأنه أول من سن القتل.
1224 – حدثنا عبدان ومحمد قالا: أخبرنا عبد الله: أخبرنا عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان قال: حدثني أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال:
أرسلت ابنة النبي ﷺ إليه: إن ابنا لي قبض فائتنا، فأرسل يقرىء السلام، ويقول: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب). فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه: سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت،ورجال، فرفع إلى رسول الله ﷺ الصبي ونفسه تتقعقع، قال: حسبته أنه قال: كأنها شن، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء).
1225 – حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا أبو عامر: حدثنا ففليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
شهدنا بنتا لرسول الله ﷺ ، قال: ورسول الله ﷺ جالس على القبر، قال: فرأيت عيناه تدمعان، قال: فقال: (هل منكم رجل لم يقارف الليلة). فقال أبو طلحة: أنا، قال: (فانزل). قال: فنزل في قبرها.
1226 – حدثنا عبدان: حدثنا عبد الله: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال:
توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه بمكة، وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، وإني لجالس بينهما، أو قال: جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي، فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، لعمرو بن عثمان: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال: (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه).
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قد كان عمر رضي الله عنه يقول بعض ذلك، ثم حدث قال: صدرت مع عمر رضي الله عنه من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء، إذا هو بركب تحت ظل سمرة، فقال: أذهب فانظر من هؤلاء الركب؟ قال: فنظرت، فإذا صهيب، فأخبرته، فقال: ادعه لي، فرجعت إلى صهيب فقلت: أرتحل، فالحق أمير المؤمنين، فلما أصيب عمر، دخل صهيب يبكي، يقول: وا أخاه، وا صاحباه، فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب، أتبكي علي، وقد قال رسول الله ﷺ : (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلما مات عمر رضي الله عنه، ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله ﷺ إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله ﷺ قال: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه). وقالت حسبكم القرآن: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك: والله هو أضحك وأبكى.
قال ابن أبي ملكية: والله ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئا.
1227 – حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته:
أنها سمعت عائشة رضي الله عنها، زوج النبي ﷺ ، قالت: إنما مر رسول الله ﷺ على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: (إنهم يبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها).
1228 – حدثنا إسماعيل بن خليل: حدثنا علي بن مسهر: حدثنا أبو إسحاق، وهو الشيباني، عن أبي بردة، عن أبيه قال:
لما أصيب عمر رضي الله عنه، جعل صهيب يقول: وا أخاه، فقال عمر: أما علمت أن النبي ﷺ قال: (إن الميت ليعذب ببكاء الحي).
[ش (من سنته) أي يعذب الميت ببكاء الأهل، إذا كان من عادة المتوفي في حياته أن ينوح، أو يقر أهله على النوح عند فقد أحد، أو إذا كان أوصى بالنوح عليه قبل موته، والنوح البكاء مع ارتفاع الصوت. (قوا..) احفظوا أنفسكم من النار بترك المعاصي، واحفظوا أهليكم منها بأمرهم ونهيهم. (فإذا) أي إذا لم يكن النوح من سنته فلا شيء عليه، لأنه لا تؤاخذ نفس بغير ذنبها، كما قالت عائشة رضي الله عنها، مستدلة بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. (ذنوبا) هذا اللفظ ليس من التلاوة، وإنما هو من تفسير مجاهد. ومعنى الآية: إن تدع نفس – أثقلتها ذنوبها – غيرها أن يحمل بعض ما عليها، لا تجاب إلى طلبها. (لا تقتل..) أي لا يقتل إنسان بغير حق، إلا كان على قابيل – الذي قتل أخاه ظلما – نصيب من الذنب والعقاب. (أول..) أول من ابتدع القتل ظلما بقتله أخاه].
[ش أخرجه مسلم في الجنائز، باب: البكاء على الميت، رقم: 923.
(ابنة) هي زينب رضي الله عنها. (قبض) قرب أن يقبض، أي يموت. (لله ما أخذ وله ما أعطى) له الخلق كله يتصرف به إيجادا وعدما. (بأجل مسمى) مقدر بوقت معلوم محدد. (ولتحتسب) تطلب بصبرها الأجر والثواب من الله تعالى، ليحسبه لها من أعمالها الصالحة. (تتقعقع) تتحرك وتضطربويسمع لها صوت. (شن) السقاء البالي. (ففاضت عيناه) نزل الدمع من عيني النبي ﷺ . (ما هذا) استفهام تعجب، لما يعلم من سنة صبره ونهيه عن البكاء. (هذا رحمة) هذه الدمعة أثر رحمة، وليست من الجزع وقلة الصبر].
[ش (شهدنا بنتا) هي أم كلثوم، زوج عثمان بن عفان رضي الله عنهما. (لم يقارف الليلة) لم يفعل ذنبا كبيرا ولا صغير، وقيل: معناه: لم يجامع].
[ش أخرجه مسلم في الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم: 927، 928، 929.
(ثم حدث) أي ابن عباس رضي الله عنهما. (صدرت) رجعت من حج. (بالبيداء) مفازة بين مكة والمدينة. (بركب) أصحاب إبل مسافرين، عشرة فما فوقها. (سمرة) شجرة عظيمة. (وا أخاه) أندب أخي في الإسلام. (حسبكم القرآن) يكفيكم بيان القرآن في أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره].
[ش أخرجه مسلم في الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم 932].
[ش أخرجه مسلم في الجنائز، باب: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، رقم 927].