-3- 13 – باب: بركة الغازي في ماله حيا وميتا، مع النبي ﷺ وولاة الأمر.
2961 – حدثنا إسحاق بن إبراهيم: قال: قلت لأبي أسامة: أحدثكم هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير قال:
لما وقف الزبير يوم الجمل، دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما، وإن من أكبر همي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بني بع مالنا فاقض ديني، وأوصى بالثلث، وثلثه لبنيه – يعني بني عبد الله بن الزبير – يقول: ثلث الثلث، فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين فثلثه لولدك، قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزبير، خبيب وعباد، وله يؤمئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني إن عجزت عنه في شيءفاستعن عليه مولاي. قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله، قال: فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه، فقتل الزبير رضي الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين، منها الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر، قال: إنما كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه، فيقول الزبير: لا، ولكنه سلف، فإني أخشى عليه الضيعة، وما ولي إمارة قط، ولا جباية خراج، ولا شيئا إلا أن يكون في غزوة مع النبي ﷺ ، أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، قال عبد الله بن الزبير: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير فقال: يا ابن أخي، كم على أخي من الدين؟ فكتمه، فقال: مائة ألف، فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه، فقال له عبد الله: أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي، قال: وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف، ثم قام فقال: من كان له على الزبير حق فليوافنا بالغابة، فأتاه عبد الله بن جعفر، وكان له على الزبير أربعمائة ألف، فقال لعبد الله: إن شئتم تركتها لكم، قال عبد الله: لا، قال: فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم، فقال عبد الله: لا، قال: قال: فاقطعوا لي قطعة، فقال عبد الله: لك من ها هنا إلى ها هنا، قال: فباع منها فقضى دينه فأوفاه، وبقي منها أربعة أسهم ونصف، فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة، فقال له معاوية: كم قومت الغابة؟ قال: كل سهم مائة ألف، فكم بقي، قال: أربعة أسهم ونصف، قال المنذر بن الزبير: قد أخذت سهما بمائة ألف، قال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف، وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف، فقال معاوية: كم بقي؟ فقال: سهم ونصف، قال: أخذته بخمسين ومائة ألف، قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه، قال بنو الزبير:اقسم بيننا ميراثنا، قال: لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه، قال: فجعل كل سنة ينادي بالموسم، فلما مضى أربع سنين قسم بينهم، قال: فكان للزبير أربع نسوة، ورفع الثلث، فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف، ومائتا ألف.
[ش (يوم الجمل) يوم وقعة الجمل سنة ست وثلاثين هجرية، التي وقعت بين طلحة والزبير وعلي رضي الله عنهم، وسميت يوم الجمل لأن عائشة رضي الله عنها كانت تركب على جمل في هودج وكانت هي التي خرجت بالناس، وكانت هي محور المعركة رضي الله عنها وعفا عنها وعمن شجعها وأغراهابهذا الموقف. (وثلثه لبنيه) أي أوصى بثلث الثلث لبني عبد الله خاصة. (وازى) حاذاهم وساواهم في السن. (الغابة) أرض شهيرة من عوالي المدينة كان الزبير قد اشتراها. (لا ولكنه سلف) أي لا أضعه عندي وديعة، ولكني آخذه دينا، وذلك حتى يكون مضمونا عليه إذا أصابه شيء من التلف. (فكتمه) كتم أصل الدين، حتى لا يستعظمه حكيم فينظر إليه بعين الاحتياج، ولكنه لما استعظم القليل أخبره بالحقيقة. (فليوافنا) فليأتنا. (بالموسم) موسم الحج، سمي بذلك لاجتماع الناس فيه، فهو معلم، مأخوذ من الوسم وهو العلامة].