باب: حسن المعاشرة مع الأهل

-3- 82 – باب: حسن المعاشرة مع الأهل.

4893 – حدثنا سليمان بن عبد الرحمن وعلي بن حجر قالا: أخبرنا عيسى بن يونس: حدثنا هشام بن عروة، عن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت:

جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل: لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل.قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره. قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق إن أسكت أعلق. قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، إن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد. قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب أشتف، وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث. قالت السابعة: زوجي غياياء، وعياياء، طباقاء، كل داء له داء، شجك أو فلك أو جمع كلا لك. قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب. قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد. قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقن أنهن هوالك. قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع، أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط، ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح. أم أبي زرع، فما أم أبي زرع، عكومها رداح، وبيتها فساح. ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع، مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع، طوع أبيها، وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها. جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع، لا تبث حديثها تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملأ بيتنا تعشيشا.

قالت: خرج أبو زرع والأوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعم ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع، وميري أهلك، قالت: لو جمعت كل شيء أعطانيه، ما بلغ أصغر أنية أبي زرع.

قالت عائشة: قال رسول الله ﷺ : (كنت لك كأبي زرع لأم زرع).

 

قال أبو عبد الله: قال سعيد بن سلمة، عن هشام: ولا تعشش بيتنا تعشيشا.

قال أبو عبد الله: وقال بعضهم: فأتقمح، بالميم، وهذا أصح.

4894 – حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا هشام: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:

كان الحبش يلعبون بحرابهم، فسترني رسول الله ﷺ وأنا أنظر، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، تسمع اللهو.


[ش أخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب: ذكر حديث أم زرع..، رقم 2448.

(تعاقدن) أخذن على أنفسهن أن يصدقن وتواثقن على ذلك.

(غث) شديد الهزال.

(فينتقل) لا ينقله الناس إلى بيوتهم لهزاله، وتعني بهذا قلة خيره وبخله، وهو مع ذلك شامخ بأنف شرس في خلقه متكبر متعجرف.

(أبث) أشيع وأظهر حديثه الطويل الذي لا خير فيه.

(لا أذره) لا أتركه لطوله ولكثرته فلا أستطيع استيفاءه.

(عجره بجره) عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة.

أو: ظاهرة المستور الحال وباطنه الرديء.

(العشنق) السيء الخلق، أو الطويل المذموم.

(أعلق) أبقى معلقة: لا مطلقة فأتزوج غيره ولا ذات زوج فأنتفع به.

(تهامة) من التهم وهي ركود الريح.

أو المراد مكة، تريد: أن ليس فيه أذى، بل فيه راحة ولذة عيش، كليل تهامة معتدل ليس فيه حر مفرط ولا برد قارص.

(قر) برد.

(سآمة) ملل.

(فهد) كالفهد وهو حيوان شديد الوثوب، تعني أنه كثير النوم فلا ينتبه إلى ما يلزمها إصلاحه من معايب البيت، وقيل: تعني: أنه يثب عليها وثوب الفهد أي يبادر إلى جماعها من شدة حبه لها، فهو لا يصبر عنها إذا رآها.

(أسد) تعني أنه إذا صار بين الناس كان كالأسد في الشجاعة.

(عهد) لا يتفقد ماله وغيره لكرمه، وقيل: المراد أن يعاملها معاملة وحشية وهو بين الناس أشد قسوة، ولا يسأل عن حالها ولا يكترث بها.

(لف) أكثر من الأكل مع التخليط في صنوف الطعام بحيث لا يبقي شيئا.

(اشتف) استقصى ما في الإناء.

(التف) بثوبه وتنحى عنها فلا يعاشرها.

(لا يولج الكف) يولج يدخل، أي لا يمد يده إليها ليعلم حزنها وسوء حالها.

(البث) الحزن الشديد.

(غياياء) لا يهتدي لمسلك يسلكه لمصالحه.

(عياياء) لا يستطيع إتيان النساء، من العي وهو الضعف.

(طباقاء) أحمق تطبق عليه الأمور، وقيل: يطبق صدره عند الجماع على صدرها فيرتفع عنها أسفله، فيثقل عليها ولا تستمتع به.

(كل داء له داء) ما تفرق في الناس من العيوب موجود لديه ومجتمع فيه، والداء المرض.

(شجك) جرحك في رأسك.

(فلك) جرحك في أي جزء من بدنك.

(جمع كلا لك) الشج والجرح، وتعني أنه كثير الضرب وشديد فيه، لا يبالي ماذا أصاب به.

(المس مس أرنب) أي حسن الخلق ولين الجانب، كمس الأرنب إذا وضعت يدك على ظهره فإنك تحس بالنعومة واللين.

(ريح زرنب) هو نبت طيب الرائحة، تعني: أنه طيب رائحة العرق، لنظافته وكثرة استعماله الطيب.

(رفيع العماد) هو العمود الذي يرفع عليه البيت ويدعم به، وهو كناية عن الرفعة والشرف.

(طويل النجاد) حمائل السيف، وهو كناية عن طول قامته.

(عظيم الرماد) أي لكثرة ما يوقد من النار، وهو كناية عن الكرم وكثرة الضيوف.

(الناد) هو كناية عن الكرم والسؤدد، لأن النادي مجلس القوم ومتحدثهم، فلا يقرب منه إلا من كان كذلك، لأنه يتعرض لكثرة الضيوف.

(مالك وما مالك) أي ما أعطم ما يملك.

(مالك خير من ذلك) عنده من الصفات ما هو خير من كل ما ذكرتن.

(كثيرات المبارك) تبرك كثيرا لتحلب ويسقى حليبها.

(قليلات المسارح) لا يتركها تسرح للرعي إلا قليلا، حتى يبقى مستعدا للضيوف.

(صوت المزهر) الدف الذي يضرب عند مجيء الضيفان.

(هوالك) مذبوحات لأنه قد جرت عادته بذلك: يضرب الدف طربا بالضيوف، ثم يذبح لهم الإبل، فالإبل قد أعتادت على هذا وأصبحت تشعر به.

(أناس من حلي أذني) حركهما بما ملأهما من ذهب ولؤلؤ.

(ملأ من شحم عضدي) سمنني وملأ بدني شحما، بكثرة إكرامه، وسمن العضدين دليل سمن البدن.

(بجحني) عظمني وفرحني (فبجحت إلى نفسي) عظمت عندي.

(أهل غنيمة) أصحاب أغنام قليلة، وليسوا أصاب إبل ولا خيل.

(بشق) مشقة وضيق عيش.

(صهيل) صوت الخيل.

(أطيط) صوت الإبل، أي أصحاب خيل وإبل، ووجودهما دليل السعة والشرف.

(دائس) يدوس الزرع ليخرج منه الحب، وهي البقرة.

(منق) يزيل ما يخلط به من قشر ونحوه، وتعني: أنه ذو زرع إلى جانب ما ذكرت من نعم.

(أقبح) لا يرد قولي ولا يقبحه، بل يقبله ويستظرفه.

(أرقد فأتصبح) أنام حتى الصبيحة وهي أول النهار، وتعني أنها ذات خدم يكفونها المؤونة والعمل.

(فأتقنح) أي: لا أتقلل من مشروبي ولا يقطعه علي شيء حتى أرتوي، وفي رواية (فأتقمح) أي أشرب حتى أرتوي وأصبح لا أرغب في الشراب.

(عكومها) جمع عكم، وهو الوعاء الذي تجمع فيه الأمتعة ونحوها.

(رداح) كبيرة وعظيمة.

(فساح) واسع كبير، وهو دليل سعة الثروة والنعمة.

(مضجعه) موضع نومه.

(كمسل شطبة) صغير يشبه الجريد المشطوب من قشره، أي هو مهفهف كالسيف المسلول من غمده.

(الجفرة) الأنثى من المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها.

(ملء كسائها) أي تملأ ثوبها لامتلاء جسمها وسمنتها.

(غيظ جارتها) تغيظ ضرتها لجمالها وأدبها وعفتها.

(تبث) تذيع وتفشي.

(تبثيثا) مصدر بثث.

(تنفث) تفسد وتذهب.

(ميرتنا) طعامنا وزادنا.

(تعشيشا) لا تترك القمامة مفرقة في البيت كأعشاش الطيور، وقيل: هو كناية عن عفتها وحفظ فرجها، فهي لا تملأ البيت وسخا بأخدانها وأطفالها من الزنا، وفي رواية (تغشيشا) من الغش، أي لا تملؤها بالخيانة، بل هي ملازمة للنصح فيما هي فيه.

(الأوطاب) جمع وطب وهو وعاء اللبن.

(تمخض) تحرك لاستخراج الزبد.

(كالفهدين) في الوثوب.

(خصرها) وسطها.

(برمانتين) ثديين صغيرين حسنين كالرمانتين من حيث الرأس والإستدارة، فيهما نوع طول، بحيث أذا نامت قربا من وسطها حيث يجلس الولدان.

(سريا) شريفا، وقيل: سخيا.

(شريا) جيدا، يستشري في سيره، أي يمضي فيه بلا فتور ولا انقطاع.

(خطيا) منسوبا إلى الخط وهو موضع بنواحي البحرين، تجلب منه الرماح.

(أراح) من الراحة، وهو الإتيان إلى موضع البيت بعد الزوال.

(نعما) إبلا ونحوها.

(ثريا) كثيرا.

(من كل رائحة) من كل شيء يأتيه.

(زوجا) اثنين، أو صنفا.

(ميري أهلك) صليهم وأوسعي عليهم من الطعام.

(ما بلغ أصغر أنية أبي زرع) لا يملؤها، وهو مبالغة أي: كل ما أكرمني به لا يساوي شيئا من إكرام أبي ذرع.

(كنت لك) كانت سيرتي معك، وزاد الزبير في آخره: [إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك] ومثله في رواية للطبراني.

وزاد النسائي في رواية له والطبراني، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، بل أنت خير من أبي زرع.

[ فتح الباري]

[ش (فاقدروا قدر الجارية) راعوا فيها أنها تحب اللهو واللعب وتحرص عليه، واقدروا رغبتها على ذلك إلى أن تنتهي. (الحديثة السن) الشابة الصغيرة].