-3- 5 – باب: الصعيد الطيب وضوء المسلم، يكفيه من الماء.
-وقال الحسن: يجزئه التيمم ما لم يحدث. وأم ابن عباس وهو متيمم. وقال يحيى بن سعيد: لا بأس بالصلاة على السبخة، والتيمم بها.
[ش (السبخة) الأرض ذات الملوحة لا تكاد تنبت شيئا].
337 – حدثنا مسدد قال: حدثني يحيى بن سعيد قال: حدثنا عوف قال: حدثنا أبو رجاء، عن عمران قال:
كنا في سفر مع النبي ﷺ ، وإنا أسرينا، حتى كنا في آخر الليل، وقعنا وقعة، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان – يسميهم أبو رجاء فنسي عرف – ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبي ﷺ إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس، وكان رجلا جليدا، فكبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير، حتى استيقظ بصوته النبي ﷺ ، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، قال: (لا ضير أو لا يضير، ارتحلوا). فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس، فلما انفتل ممن صلاته، إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال: (ما معنك يا فلان أن تصلي مع القوم). قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: (عليك بالصعيد، فإنه يكفيك). ثم سار النبي ﷺ ، فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل فدعا فلانا – كان يسميه أبو رجاء نسيه عوف – ودعا عليا فقال: (اذهبا فابتغيا الماء). فانطلقا، فتلقيا امرأة بين مزادتين، أو سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها:أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، ونفرنا خلوف، قالا لها: انطلقي إذا، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله ﷺ ، قالت: الذي يقال له الصابىء؟ قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي، فجاءا بها إلى النبي ﷺ وحدثاه الحديث، قال: فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي ﷺ بإناء، ففرغ من أفواه المزادتين، أو سطيحتين، وأوكأ أفواهما، وأطلق العزالي، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء، و كان آخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال: (اذهب فأفرغه عليك). وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وأيم الله، لقد أقلع عنها، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي ﷺ : (اجمعوا لها). فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة، حتى جمعوا لها طعاما، فجعلوها في ثوب، وحملوها على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها: (تعليمن ما رزئنا من مائك شيئا، ولكن الله هو الذي أسقانا). فأتت أهلها وقد احتسبت عنهم، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب، لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابىء، ففعل كذا وكذا، فوالله، إنه لأسحر الناس ممن بين هذه وهذه – وقالت بإصبعيها الوسطى والسبابة، فرفعتهما إلى السماء: تعني السماء والأرض – أو إنه لرسول الله حقا. فكان المسلممون بعد ذلك، يغيرون على من حولها من المشركين، ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوما لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمدا، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام.
[ش أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة، رقم: 682.
(أسرينا) من السري، وهو السير أكثر الليل، وقيل: السير كل الليل. (وقعنا وقعة) نمنا نومة. (فلان) ذكر البخاري في علامات النبوة أن أول من استيقظ أبو بكر، وقيل الثاني هوعمران، والثالث هو ذو مخبر. (ما يحدث له في نومه) أي من الوحي، ونخاف أن نقطعه بإيقاظه. (جليدا) ظاهر الجلادة، وهي القوة والصلابة. (لا ضير) لا ضرر. (برجل) هو خلاد بن رافع.(عليك بالصعيد) أي الزمه وتيمم به، والصعيد التراب أو سطح الأرض مطلقا. (فابتغيا) من الابتغاء وهو الطلب. (مزادتين) مثنى مزادة، وهي القربة الكبيرة، سميت بذلك لأنها يزاد فيها جلد آخر من غيرها، وتسمى أيضا سطيحة. (عهدي بالماء أمس) تركت الماء منذ أمس، وهو اليوم الذي قبل يومك. (هذه الساعة) في مثل هذه الساعة. (نفرنا) رجالنا. (خلوف) متخلفون لطلب الماء، وقيل: جمع خالف وهو المسافر، أي ذهبوا وخلفوا النساء وحدهن في الحي. (الصابىء) من صبأ، إذا خرج مندين إلى دين آخر. (أوكأ) ربط. (العزالي) جمع عزلاء، وهي فم المزادة الأسفل الذي يخرج منه الماء بكثرة. (وايم الله) اسم وضع للقسم، أصله أيمن الله، فحذفت النون تخفيفا، وربما وصلت همزته، وربما قطعت. (أقلع عنها) كف عنها. (أشد ملأة) ما بقي فيها من الماء أكثر مما كان أولا. (دقيقة وسويقة) طحين الحنطة والشعير وغيرهما. (فجعلوهما) وضعوا الأشياء التي جمعوها. (قال لها) أي رسول الله ﷺ ، وفي رواية (قالوا لها) أي القوم، بأمره. (رزئنا) نقصنا. (احتبست عنهم) تأخرت. (وقالت بأصبعها) أشارت بهما. (الصرم) هو بيوت مجتمعة منقطعة عن الناس. (ما أرى) ظني وعلمي. (يدعونكم عمدا) يتركونكم عن قصد، لا غفلة منهم عنكم].