باب: ما جاء في قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله

-3- 1 – باب: ما جاء في قول الله تعالى:

{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين}. /الجمعة: 10، 11/.

وقوله: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة حاضرة عن تراض منكم}. /النساء: 29/.

1942 – حدثنا أبو اليمان: حدثنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:

إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ﷺ ، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله ﷺ بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله ﷺ على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة، أعي حين ينسون، وقد قال رسول الله ﷺ في حديث يحدثه: (إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقول). فبسطت نمرة علي، حتى إذا قضى رسول الله ﷺ مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله ﷺ تلك من شيء.

1943 – حدثنا عبد العزيز بن عبد الله: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده قال: قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:

لما قدمنا إلى المدينة آخى رسول الله ﷺ بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها، قال: فقال عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟. قال: سوق قينقاع، قال: فغدا إليه عبد الرحمن، فأتى بأقط وسمن، قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة، فقال رسول الله ﷺ : (تزوجت). قال: نعم، قال: (ومن). قال: امرأة من الأنصار، قال: (كم سقت). قال: زنة نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال له النبي ﷺ : (أولم ولو بشاة).

1944 – حدثنا أحمد بن يونس: حدثنا زهير: حدثنا حميد، عن أنس رضي الله عنه قال:

قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة، فآخى النبي ﷺ بينه وبين سعد بن ربيع الأنصاري، وكان سعد ذا غنى، فقال لعبد الرحمن: أقاسمك مالي نصفين وأزوجك، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فما رجع حتى استفضل أقطا وسمنا، فأتى به أهل منزله فمكثنا يسيرا، أو ما شاء الله، فجاء وعليه وضر من صفرة، فقال له النبي ﷺ : (مهيم). قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار، قال: (وما سقت إليها). قال: نواة من ذهب، أو وزن نواة من ذهب، قال: (أولم ولو بشاة).

 

1945 – حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فلما كان الإسلام فكأنهم تأثموا فيه، فنزلت: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج}. قرأها ابن عباس.


[ش (قضيت الصلاة) أديت صلاة الجمعة وانتهت. (فانتشروا في الأرض) للتجارة والتصرف في حوائجكم. (ابتغوا من فضل الله) اطلبوا الرزق والربح فهو مباح لكم فضلا من الله تعالى. (تجارة) بضاعة أتي بها لتباع في المدينة. (لهوا) كانوا في الجاهلية إذا أتت تجارة استقبلوها بالطبل والتصفيق، فينتبه الناس إليها، وهذا من اللهو، فأطلق على كل ما ينبه إلى وجود التجارة من ضجيج وصوت إبل ونحو ذلك، والله أعلم. (انفضوا) تفرقوا. (قائما) على المنبر تخطب].

[ش (بالباطل) بالمحرم في الشرع كالربا والغصب. (تجارة) أموال تجارة. (عن تراض منكم) كل واحد منكم راض بما في يده من المال الذي أخذه، مما يبيح الشرع التعامل به].

[ش (عمل أموالهم) ما يتعلق بإصلاح أموالهم من مزارع ونحوها. (مسكينا) لا شيء لي أتاجر به أو يشغلني إصلاحه. (الصفة) موضع مظلل في المسجد، كان يأوي إليه الغرباء وفقراء الصحابة رضي الله عنهم ومن ليس له منزل منهم، وكان أبو هريرة رضي الله عنه رئيسهم. (أعي) أحفظ. (أقضي مقالتي) أنتهي من حديثي. (نمرة) كساء مخطط أو ملون].

[ش (آخى) من المؤاخاة، وهي أن يتعاقد الرجلان على التناصر والمواساة حتى يصيرا كالأخوين نسبا. (هويت) أردت وأحببت. (قينقاع) قبيلة من قبائل اليهود الذين كانوا في المدينة. (الغدو) الذهاب أول النهار إلى السوق. (أثر صفرة) أثر الطيب الذي استعمله عند الزفاف. (كم سقت) كم أعطيتها مهرا. (زنة نواة) وزنها. (أولم) اصنع وليمة، وهي الطعام الذي يصنع أيام العرس].

[ش (استفضل) ربح. (وضر) تلطخ من أثر الطيب الذي له لون. (مهيم) ما هذا وما أمرك، وهي كلمة يستعملها أهل اليمن].

[ش (أسواقا) يتاجرون فيها في موسم الحج. (تأثموا فيه) اجتنبوا التجارة في موسم الحج احترازا عن الإثم، وخشية أن يذهب الأجر. (مواسم) جمع موسم، وهو وقت الاجتماع للتجارة ونحوها، سمي بذلك لأنه معلم يجتمع الناس إليه. (قرأها..) أي قرأ هذه اللفظة “في مواسم الحج” في جملة القرآن، وهو خلاف المشهور، فهي قراءة شاذة ولها حكم حديث الآحاد، فتكون تفسيرا للآية، وليست بقرآن].