-3- 75 – باب: حديث كعب بن مالك، وقول الله عز وجل: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} /التوبة: 118/.
4156 – حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب من بنيه حين عمي، قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك، قال كعب:
لم أتخلف عن رسول الله ﷺ في غزوة غزاها الإ في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفت في بدر، ولم يعاتب أحدا تخلف عنها، إنما خرج رسول الله ﷺ يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى اللهعليه وسلم ليلة العقبة، حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري: أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزاة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط، حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله ﷺ يريد غزوة إلا ورى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة، غزاها رسول الله ﷺ في حر شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفازا وعدوا كثيرا، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله ﷺ كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ، يريد الديوان. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله ﷺ والمسلمون معه، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم، فأرجع ولم أقضى شيئا، فأقول في نفسي: أنا قادر عليه، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول ﷺ والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئا، ثم غدوت، ثم رجعت ولم أقض شيئا، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك، فكنت إذا خرجت فيالناس بعد خروج رسول الله ﷺ فطفت فيهم، أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله ﷺ حتى بلغ تبوك، فقال، وهو جالس في القوم بتبوك:(ما فعل كعب). فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه، ونظره في عطفيه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه الإ خيرا. فسكت رسول الله ﷺ . قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله ﷺ قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله ﷺ قادما، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، قلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله ﷺ علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، فجئته، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: (تعال). فجئت أمشي حتى جلست يديه، فقال لي: (ما خلفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرك). فقلت: بلى، إني والله – يا رسول الله – لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكني والله، لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله، ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله ﷺ : (أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك). فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوالي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله ﷺ لك. فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم:هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين، قد شهدا بدرا، فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله ﷺ المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله ﷺ فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار.
قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط أهل الشأم، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة، يقول: من يدل على كعب بن مالك، فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان، فإذا فيه: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا رسول رسول الله ﷺ يأتيني فقال: إن رسول الله ﷺ يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها. وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.
قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال: (لا، ولكن لا يقربك). قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله ﷺ في امرأتك، كما أذن لامرأة هلال بن أميه أن تخدمه؟ فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله ﷺ ، وما يدريني ما يقول رسول الله ﷺ إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب؟ فلبثت بعدذلك عشر ليال، حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله ﷺ عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ، أوفى على جبل سلع، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، قال: فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله ﷺ بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرسا، وسعى ساع من أسلم، فأوفى على الجبل،وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله ﷺ ، فيتلقاني الناس فوجا فوجا، يهونني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله ﷺ جالس حوله الناس، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، قال كعب: فلما سلمت على رسول الله ﷺ ، قال رسول الله ﷺ ، وهو يبرق وجهه من السرور: (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك). قال: قلت: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: (لا، بل من عند الله). وكان رسول الله ﷺ إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول الله، قال رسول الله ﷺ : (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك). قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدثإلا صدقا مالقيت. فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله ﷺ إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت. وأنزل الله على رسوله ﷺ : {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار – إلى قوله – وكونوا مع الصادقين}. فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله ﷺ ، أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا – حين أنزل الوحي – شر ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم – إلى قوله – فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}.
قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله ﷺ حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله ﷺ أمرنا حتى قضى الله فيه، فبذلك قال الله: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا}. وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، إنما هو تخليفه إيانا، وإرجاؤه أمرنا، عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.
[ش أخرجه مسلم في التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم: 2769.
(قط) أي زمان مضى. (أقوى ولا أيسر) أكثر قوة ويسارا أي غنى. (راحلتان) مثنى راحلة، وهي ما يصلح للركوب والحمل في الأسفار من الإبل، ويصلح للسفر. (أهبة غزوهم) وفي نسخة (عدوهم) ما يحتاجون إليه في السفر والحرب. (طابت الثمار والظلال) نضجت الثمار ولذ للنفوس أكلها، وكثرت الظلال بتورق الأشجار ورغبت النفوس أن تتفيأ فيها. (فطفقت) أخذت وشرعت. (اشتد في الناس الجد) بلغوا غاية اجتهادهم في التجهيز للخروج. (جهازي) ما أحتاجه في سفري. (فصلوا) خرجوا من المدينة وفارقوها. (تفارط الغزو) فات وقته وتقدم. (مغموصا) محتقرا، مطعونا في دينه أو متهما بنفاق. (حبسه براده والنظر في عطفيه) أي منعه من الخروج إعجابه بنفسه ولباسه، وبراده مثنى برد وهو الكساء، وعطفيه: مثنى عطف وهو الجانب. (قافلا) راجعا من سفره إلى المدينة. (سخطه) غضبه، وعدم رضاه عما حصل مني. (أظل قادما) دنا قدومه إلى المدينة. (زاح عني الباطل) زال عني التفكير في الكذب والتماس الأعذار الباطلة. (فأجمعت صدقه) عزمت على أن أصدقه. (المخلفون) الذين لم يذهبوا مع رسول الله ﷺ وتخلفوا عنه. (علانيتهم) ظاهرهم. (سرائرهم) جمع سريرة وهي ما يكتم في النفوس. (ابتعت ظهرك) اشتريت راحلتك. (جدلا) فصاحة وقوة حجة وكلام. (تجد) تغضب. (كافيك ذنبك) يكفيك من ذنبك. (أسوة) قدوة. (تغيروا لنا) اختلفت أخلاقهم معنا عما كانت عليه من قبل من الود والألفة. (تنكرت) تغيرت. (فاستكانا) ذلا وخضعا وأصابهما السكون. (أطوف) أدور. (فأسارقه النظر) أنظر إليه خلسة. (تسورت) صعدت على سور الدار. (حائط) بستان من نخيل. (ففاضت عيناي) انهال دمعهما. (نبطي) فلاح. (دفع إلي) أعطاني. (جفاك) أعرض عنك وقاطعك. (هوان) ذل وصغار. (مضيعة) حيث يضيع حقك. (نواسك) من المواساة وهي التسلية عن المصيبة. (البلاء) الاختبار. (فتيممت) قصدت. (فسجرته) أوقدته بها. (تعتزل امرأتك) لا تجامعها، وهي عميرة بنت جبير الأنصارية رضي الله عنها. (ضائع) قاصر عن القيام بشؤون نفسه. (حركة إلى شيء) من جماع ومباشرة وغيرها. (الحال التي ذكر الله) في قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم..} /التوبة: 118/. (أوفى) أشرف. (سلع) جبل معروف في المدينة. (فخررت) أسقطت نفسي على الأرض. (آذن) أعلم. (ركض) استحث، من الركض وهو الضرب بالرجل على بطن الفرس لتسرع.
(يتبع…)
(تابع… 1): – 4156 – حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد… …
(غيرهما) من جنس الثياب. (فوجا) جماعة. (لتهنك) من التهنئة، وهي المخاطبة بالأمر راجيا أن يكون مبعث سرور له. (أبلاه) أنعم عليه أو أختبره. (وأنزل الله) أي في توبتنا. (لقد تاب) عفا وصفح. (على النبي) في اذنه للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك. (والمهاجرين والأنصار) فيما وقع في قلوبهم من الميل إلى القعود وعدم الخروج إلى غزوة تبوك. (إلى قوله) تتمة الآيات: {والأنصار الذي اتبعوه ساعة العسرة من بعد ما كاد أن يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إلى الله هو التواب الرحيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} /التوبة: 117 – 119/. (اتبعوه) اتبعوا أمره، ولبوا دعوته وخرجوا معه. (ساعة العسرة) وقت الضيق والشدة، فقد كانوا في قلة من المركبوالطعام والشراب، إلى جانب شدة الحر وبعد المسافة وكثرة العدو، مع طيب الثمار والظلال في المدينة. (كاد يزيغ) قارب أن تميل قلوب بعضهم عن الحق فيقعدوا عن الخروج مع رسول الله ﷺ ، ولكنهم تداركتهم رحمة الله تعالى وعنايته فصبروا واحتسبوا أجرهم عند الله تعالى وندموا على ما هموا به.
(تاب عليهم) ألهمهم الإنابة والرجوع إليه سبحانه، لما علم من إخلاصهم وصدق إيمانهم وقبل توبتهم ومعذرتهم. (وعلى الثلاثة) وتاب على الثلاثة، وهم كعب وصاحباه رضي الله عنهم، (خلفوا) أخروا عن الحكم بأمرهم. (ضاقت..) حاروا في أمرهم حتى أصبحوا وكأنهم لا يجدون مكانا فيالأرض على سعتها يقرون فيه ويطمئنون. (وضاقت عليهم أنفسهم) اشتد كربهم وحزنهم حتى أصبحت نفوسهم لا تتسع لأنس ولا سرور. (ظنوا) علموا وأيقنوا. (لا ملجأ من الله إلا إليه) لا مفر من حكم الله تعالى ولا مجير من عذابه إلا اللجوء إلى استغفاره والتضرع بين يديه، والإنابة إليه، فذلوا له وخضعوا، واستغفروا وصبروا واحتسبوا. (تاب عليهم) عفا عنهم وقبل التجاءهم واستغفارهم. (ليتوبوا) ليكونوا دائما في جملة التوابين الذين يحبهم الله سبحانه وتعالى. (كونوا مع الصادقين) الزموا الصدق دائما في النية والقول والعمل. (انقلبتم) رجعتم. (إلى قوله) وتتمتها: {إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم..} /التوبة: 95 – 96/. (لتعرضوا عنهم) لتتركوهم ولا تؤنبوهم بسبب تخلفهم. (فأعرضوا عنهم) لبو طلبهم ولا تعاتبوهم، ودعوهم وما اختاروا لأنفسهم من النفاق. (إنهم رجس) بواطنهم خبيثة وأعمالهم قبيحة، لا تنفع فيهم موعظة، ولا تصلحهم معاتبة، ولا تطهرهم طاعة ظاهرة. (مأواهم) مسكنهم. (يكسبون) من سوء الطوية وانحراف القصد وخبث العمل. (لترضوا عنهم) لتقبلوا معذرتهم وينالوا رضاكم فينتفعوا به في الدنيا. (فإن ترضوا عنهم) ظاهرا وتعاملوهم معاملة المسلمين. (فإن الله لا يرضى) عنهم حقيقة لما يعلم في قلوبهم من النفاق، فلا يخلصهم رضاكم عنهم في الدنيا من عذابه يوم القيامة. (الفاسقين) الخارجين عن طاعة الله تعالى ورسوله ﷺ . (تخلفنا .. أمر أولئك)أي تخلفنا عن الاعتذار مثلهم، فلم يقض فينا مثل ما قضى فيهم].